ساكينة جانسيز.. بدايات ثورية وحياة مليئة بالنضال
نظم مركز أتون للدراسات ندوة ثقافية موسعة بالقاهرة تناولت رحلة نضال ساكينة جانسيز، لتسليط الضوء على نشأتها ومراحل تحولها نحو النضال الثوري، بمشاركة مجموعة من المثقفين المصريين والمهتمين بالشأن الكردي.
نظم مركز أتون للدراسات ندوة ثقافية موسعة بالقاهرة تناولت رحلة نضال ساكينة جانسيز، لتسليط الضوء على نشأتها ومراحل تحولها نحو النضال الثوري، بمشاركة مجموعة من المثقفين المصريين والمهتمين بالشأن الكردي.
نظم مركز أتون للدراسات بالعاصمة المصرية القاهرة ندوة ثقافية موسعة حول نضال ساكينة جانسيز ونشأتها ومراحل تحولها نحو النضال الثوري، بمشاركة مجموعة من المثقفين المصريين والمهتمين بالشأن الكردي، حيث أدارت الندوة الدكتورة عزة محمود استشاري الإدارة العامة بوزارة الثقافة المصرية.
في بداية الندوة تحدثت الدكتورة صونيا الأشقر الكاتبة والروائية اللبنانية عن تأثير القائد عبدالله أوجلان في فكر «جانسيز»، مشيرةً إلى أن مقولة القائد: «الحياة تحث على الكتابة»، جسدت حافزاً قوياً لـ «ساكينة جانسيز»، لتبدأ الكتابة محملة بأفكار الخوف والالتزام والأمل، وفي بداية رحلتها تعرفت على الرعيل الأول المؤسس لحزب العمال الكردستاني، وتفتح ذهنها حينها على مرادفات الحرية والثورية والمقاومة في مجتمع يسوده الخوف من الطاغية التركي، ما جسد دافعاً قوياً لها لكي تصبح المرأة الثورية الأولى في مجتمعها مُحطمة كل العراقيل، ومُتكِئة على قوة إرادتها وعنفوان الشباب الكامن في أعماقها الطاهرة، تَشّبع عقلها بمفاهيم الحرية ووسائلها في مجتمع مضطهد يواجه جرائم إبادة ممنهجة، وكان عليها أن تستخدم ذكاءها في إرضاء عائلتها خلال محاولتها كسر الصورة النمطية للمرأة الكردية، التحقت بكلية العلوم السياسية في أنقرة وتعرفت على موسى أردوغان في الجامعة لتبدأ رحلة النضال الثوري بالعمل في إحدى معامل تصنيع الشوكولاتة وتستشرف مسيرتها بشعار «فليسقط الاستعمار»، مجاهدة ضد العنصرية، وحينها طردها صاحب المعمل على خلفية دفاعها عن حقوق العمال الذين تضامنوا معها لتتحول المطالبات العمالية الفئوية إلى نموذج ثوري ملهم ضد صاحب العمل فلم يكن من الأخير إلا طردها.
نضال ثوري
رفضت ساكينة، العبودية ودفعت ثمناً باهظاً من حريتها لتبدأ مراحل السجن الأولى دفاعاً عن كرامتها، فقد كانت تؤمن بمكانة المرأة، وناضلت من أجلها ولفتت أنظار الجميع ومنهم المحتل الغاشم الذي لم يجد لها مكاناً سوى السجن لأنه دائماً ما يهاب المرأة الكردية منذ فجر التاريخ، فهي نواة المجتمع وركيزته وهي الأم التي تعد بمثابة مدرسة مصغرة تفرخ شبابا قادرين على حمل الراية وقيادة المستقبل حال اعتناقها الفكر الثوري التحرري القائم على الدفاع عن الحقوق الإنسانية المشروعة، ومن ثم استهدفها الاحتلال بالسجن لأنها لم تجسد فقط نموذجاً للمرأة التركية وإنما نموذجاً ملهماً للمرأة العربية والغربية المتحررة والمؤمنة بفكر الثورة على الطغاة، وطالما خشي الاحتلال من المرأة النموذج لأنها أساس المجتمع ووفقاً لفكرها يتأسس هذا المجتمع على الخنوع والرضا أو على الثورة والنضال من أجل الحقوق والحريات.
وتابعت الأشقر: "دونت جانسيز مسيرتها النضالية في مذكراتها التي ضمت ثلاثة أجزاء، تُرجم الجزء الاول منها للعربية، وفي كتاباتها اكتشفت مستقبل الأمة الكردية من خلال (حياتي كلها نضال)، ومن بين أقوالها المأثورة أن التاريخ لا يمزح، وبعد قراءتي العميقة للمجلد الأول كتبت 4 حلقات حول تلك المذكرات نُشرت في العديد من الصحف لتكشف النقاب عن هذا النموذج الفريد الذي يجب أن يحمل الجميع رسالتها وتدرس مسيرتها ومؤلفاتها في المدارس والجامعات لأن أفكارها ستظل نبراساً للأجيال الجديدة".
نموذج نسائي ملهم
الدكتور محمد رفعت الإمام، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، رصد خلال كلمته مشاهد مهمة للواقع الكردي ومعضلات الشرق الأوسط من خلال تسليط الضوء على النموذج الثوري النسائي الذي جسدته ساكينة، خلال رحلة نضالها، مشيراً إلى أنها وُلدت مطلع عام 1958 بقرية عرش الخليل التابعة لمحافظة ديرسم شمال كردستان، وتأثرت بشبكة العلاقات الاجتماعية في قريتها، عدا حالات استثنائية قليلة، فقد تميزت قرية عرش الخليل بــالتناغم والعلاقات الحميمية والاحترام المتبادل وقلة الشجار بين أهلها، ولم تنس الطفلة ساكينة تأثير الأغاني الكردية القديمة ومواويل الفنانة الكردية عيششان في تكوين وجدانها الوطني وتجذير هويتها الكردية.
جينات كردية
وأضاف أن الرحالة الذين كانوا يقصدون كردستان، كتبوا آرائهم في المرأة الكردية وكانوا عملاء لأغلب القوى العظمى حينها، وأحدهم يدعى هانريش جيبل، وذلك أثناء الحراك الثوري في 1332 وحينها وصف المرأة الكردية بأنها عمود المنزل تستخدم السلاح وتركب الخيل وتقدس الزوج ولا توجد امرأة حرة مثل المرأة الكردية، ومن ثم فإن الصورة التي انفردت بها المرأة الكردية كانت الوحيدة للنساء في العالم، وذلك بفضل الجينات الكردية التي كان لها عاملاَ مهماَ في تكوين شخصية ساكنية، وضمن حرب إبادتها اعتادت دولة الاحتلال التركي على مطاردة الرجال الكرد الذين كان يهربون إلى الجبال أو يتعرضون للقتل، كما تعمد الاحتلال استهداف الكرديات للتخلص منهن في حرب إبادة نوعية تضمن عدم استمرارية العنصر الكردي لأن استهداف النساء والأطفال يقضي تماماً على أي مجتمع، وكثير من الكرديات فضلن الانتحار على الوقوع في أيادي الفاشية التركية، كما أن أول فتاة التحقت بالتعليم في إيران تدعى "مريم اردلان"، وتحديداً بمدرسة الراهبات وكانت كردية مسلمة ما يؤكد النزعة التحررية الموجودة في الجينات الكردية وساكينة تمثل أيضاً امتداداً لجين المرأة الكردية.
في 9 كانون الثاني 2013، اغتال الطغاة المناضلة الثورية الكردية ساكينة جانسيز (1958-2013) بعد رحلة حياة زاخرة عامرة وصفتها بكونها كلها نضال، ووفقاً لكل المقاييس تصنف جريمة اغتيالها بأنها جريمة إبادة نوعية، فما حدث لساكينة جريمة إبادة نوعية ضمن الجريمة الأوسع وهي الإبادة الكردية منذ ٦٠٠ سنة والتي بدأت بتطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية فضلاً عن جرائم الإبادة الثقافية ومحاولات طمس الهوية.